الأحد، 27 يناير 2013

مستقبل الأنظمة والقوانين في ظل الأزمة المالية...

مقدمة:
للحديث عن مستقبل
الأنظمة والقوانين -وبخاصة التجاري منها- في احتواء الأزمة المالية الحالية
يلزمنا الإلمام بالأزمة من جوانبها المختلفة، وذلك بمعرفة طبيعة
الأزمة، ومعرفة مسبباتها وتطورها وطريقة معالجتها من النواحي التنظيمية
والقانونية. ولتسهيل تناول الموضوع نقدم هذه الورقة إلى عناصر
ثلاثة:

العنصر الأول:
خلفية الأزمة المالية
وتطوراتها.

العنصر الثاني:
الأزمة المالية
وتأثيراتها على الأنظمة والقوانين وكفاءتها.

العنصر الثالث:
التعديلات المطلوبة في
الأنظمة والتشريعات لتحسين البيئة الاستثمارية والمقترحات والتوصيات.



العنصر الأول: خلفية الأزمة المالية وتطوراتها


(1) خلفية الأزمة المالية
وتطوراتها:

(1/1) خلفية الأزمة المالية
وطريقة تأثيرها:

وحيث إن معرفة الأمر
جزء من تصوره فلا نجد مناصاً عن بيان الأزمة وبداياتها ومراحل تطورها و
طريقة تأثيرها. و يعتبر الخبراء أن الأزمة المالية الحالية هي
الأسوأ من نوعها منذ العام 1929م زمن ما يعرف بالكساد الكبير، فقد
بدأت ''الأزمة المالية العالمية'' فعلياً في الظهور، وتكشفت بصورة سافرة في
سبتمبر 2008 م عندما تخلت الولايات المتحدة عن أكثر مبادئها الاقتصادية
التي تعتز بها وتعتبرها مصدر قوة اقتصادها (حرية السوق)، وبدأت في دعم
وتأميم بعض المؤسسات المالية.

وقد بدأت الأزمة
أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول
الأوروبية، والدول الآسيوية، والدول الخليجية، والدول النامية التي ترتبط
اقتصاداتها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي
، وقد تم ذلك في تتابع شبيه بعمل حجارة
الدومينو وفق نظرية غينولي، فكيف حدثت الأزمة ؟ وكيف كان تأثير
مسبباتها ؟ وكيف تتابع؟

لتصور الأزمة وتطورها
تخيلوا أنّ هناك صفين من حجارة الدومينو تمّ وضعهما إلى جانب بعضهما
البعض، وهناك صفّ آخر من الدومينو تمّ وضعه خلفهما: الصفان الأماميان
يقعان، وكردّ فعل تتابعي تسقط بقية حجارة الدومينو.

الذي حدث في الولايات
المتحدة -كما تناوله المختصون- هو وجود مؤسسات إقراض تقوم بتمويل تعاملات
عقارية وغير عقارية وتجارية لعملاء يكون واضحاً منذ الوهلة الأولى أنهم
ليسوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه المؤسسات المقرضة.

و وفقاً لاتفاقيات
الإقراض يتوجب على هؤلاء المقترضين دفع فوائد القروض التي تسلموها خلال
السنتين الأوليين، وفي السنة الثالثة يقومون بدفع الدين وفوائده.
وحيث ‘ن الكثير من هؤلاء المقترضين لا يقدرون على الوفاء بدفع أصل الدين
وفوائده فهذا يعني من الناحية الاقتصادية أنّ قيمة تلك القروض قد ضعفت،
وأصبحت قيمتها الحسابية أكبر من قيمتها الحقيقية (السوقية)، وهذا
هو: أوّل دومينو في الصفين الأولين. (اتفاقيات الإقراض).
أيضاً للعقار دور آخر
في الأزمة،
حيث هناك مؤسسات إقراض توافق على ديون تمنح بموجبها أموالا لأناس
يملكون عقاّرا يتمّ استخدامه ككفالة أو ضمانة للقرض. ولما بدأ الطلب
على العقارات في التضاؤل إلى أن وصل إلى حدّ التجمّد، حيث ليس هناك طلب
أصلا على شراء العقارات. يؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى هبوط أسعار العقارات
(حسب نظرية العرض والطلب الاقتصادية)، وهو ما يدفع مؤسسات الإقراض
إلى طلب السيولة والتعويض من أولئك الأشخاص الذين لا يملكون مالا في الأصل.
ولذلك تبدأ البنوك ومؤسسات الإقراض في المعاناة من أجل الحفاظ على قيمة
تلك القروض والديون، وهو ما يضعف قيمتها في السوق أكثر، ويزيد صعوبة عملية
تحويلها إلى نقد بتسييلها في التعاملات المالية، وهذا هو: الدومينو
الثاني. (ضمانات الإقتراض).

ونتيجة لذلك قامت
المؤسسات المالية بتحويل تلك القروض إلى "أصول" أي أنها حولتها إلى منتج
مالي جديد يمكن بيعه وشراؤه في السوق المالية (البورصة)، و يمثل
لذلك بأن تكون تدين لشخص بالمال، ويقوم هذا الشخص بيع دينك لشخص آخر (بيع
الدين)
. ونظرا لكون "الأرباح الموعودة" من هذه العملية كانت مرتفعة في
البداية فقد أقبلت صناديق الاستثمار على شراء هذه "الأصول" في البورصة
بكثافة. ولكن مع بدء فقدان هذه الأصول لقيمتها وفقاً للعرض والطلب،
أرادت صناديق الاستثمار التخلص منها ببيعها. ولكن المشكلة عدم وجود مشترين،
وإن وجدوا فيكون ذلك بأسعار بخسة أقل مما هو مأمول في البداية، أو أقل من
قيمة شرائها، وهذا هو: الدومينو الثالث. (إدراج الأصول في سوق
المال)

ولتجنب مشاكل انعدام
السيولة، تقوم صناديق الاستثمار هذه ببيع أصول أخرى تملكها لا علاقة
لها بهذه القروض، وإذا تم ذلك بسرعة تهبط قيمة هذه الأصول أيضاً،
مما يسبب لها خسائر، تضاف إلى خسائر البنوك التي اشترت منها هذه
الصناديق تلك الأصول، وهذا هو الدومينو الرابع. (ضوابط بيع
الأصول في سوق المال).

و كانت محصلة تأثير
هذه الانهيارات والخسائر في الولايات المتحدة أن وصل عدد البنوك التي أفلست
خلال العام 2008م وجزء من العام 2009م حتى كتابة هذه الورقة
يوم الجمعة 23/10/2009م فقد أعلنت المؤسسة
الاتحادية الأمريكية للتأمين على الودائع غلق سبعة بنوك إضافية مما رفع
العدد الإجمالي للبنوك المنهارة منذ مطلع العام 2009م إلى 106 بنوك أغلبها
ولائية، و قد شهد العام 2008 م انهيار 26 بنكا أخرى.
من بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكاً. و للمقارنة مع الأزمة المالية في العام 1992 فقد
شهدت غلق 181 بنكا.

هذه البنوك التي فقدت
الكثير من الأموال وتعاني من نقص السيولة، حاولت الحصول على
الأموال بواسطة الاقتراض من بنوك أخرى، وهو أمر معتاد بين البنوك.
ولكن ولأنّ كلّ بنك يجهل حقيقة وعمق المشكل المالي الذي يعاني منه البنك
الآخر، فإنّه يرفض بالتالي إقراضه، وذلك يعني تزايد عدد البنوك التي
تعاني من مشاكل سيولة حتى لو كان وضعها جيدا وغير مشمولة بالأزمة وهذا هو:
الدومينو الخامس. (شفافية التعاملات البنكية).

و للدور الكبير الذي
تلعبه البنوك في النظام الرأسمالي، فإذا كان هناك عدد كبير من
البنوك تعاني من مشاكل السيولة فإنّ النشاط المالي ككلّ يتأثر، ولذلك فإنّ
البنوك المركزية تقرض تلك البنوك أموالا، والهدف هو الحفاظ على ثقة
المودعين والمتعاملين وإحداث توازن على المدى المتوسّط وهذا هو: الدومينو
السادس. (ضوابط الإقراض من البنوك المركزية).
والمتعاملون في سوق
المال والعاملون فيها يحتاجون دائما إلى سيولة تحت أيديهم حتى لا يكونوا
مضطرين إلى بيع أصول في كلّ مرة يطلب فيها أحد مستثمريهم مالا يستحقه
عليهم. ولأنّ الكثير من الأصول والأسهم بعد ظهور الأزمة في حالة انخفاض،
فإن بيعها سواء للحصول على السيولة أو بفعل الذعر من حالة الانخفاض التي
يمر بها السوق يؤدي إلى مزيد من الهبوط في قيمة تلك الأصول، وهذا هو
الدومينو السابع. (قواعد التحكم في المؤشر العام للسوق والمؤشر الخاص
للسهم).

هذا من جانب المؤسسات
المالية التي هي أحد مكونات الاقتصاد الحر الأساسية و المؤثرة عليه بشكل
كبير، أما من جانب المواطن الأمريكي فقد كان يقترض من البنك حتى
يشتري من الشركات العقارية بيتاً له عن طريق البطاقات الائتمانية (الفيزا
والماستر كارد) لسهولة الإقراض وعدم طلب الضمانات الكافية. وكان
سداد القروض العقارية يتم عن طريق البنوك التي تعتمد على أسعار الفائدة في
تعاملاتها المالية
)القروض الربوية).
وسعر الفائدة يزيد
بزيادة سعر العقار لكل سنة، وأدى ذلك في النهاية إلى عدم قدرة المواطن
الأمريكي (المقترض) على سداد التزاماته في الرهن العقاري، وعدم قدرته على
الو فاء بالدفعات التي التزم بها مما أدى كمحصلة عامة إلى انعدام السيولة
في البنوك، وعدم القدرة على تمويل المشاريع الجديدة، وانخفاض الطلب
على العقار مع زيادة العرض، ومن ثم
إعلان البنوك إفلاسها بشكل تدريجي مما أدى إلى
الأزمة المالية بداية في الولايات المتحدة الأمريكية، واتساع رقعتها
لتمتد إلى أوروبا وإلى غيرها من بقية أنحاء العالم لما للاقتصاد الأمريكي
من تأثير قوي على الاقتصاديات الأخرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة.


إذاً، مسببات
الأزمة الاقتصادية هي جميعاً قانونية يمكن تلخيصها في :
اتفاقيات الإقراض، ضمانات الاقتراض،
بيع الدين، ضوابط إدراج الأصول في سوق المال، ضوابط بيع
الأصول في سوق المال، شفافية التعاملات البنكية، ضوابط
الإقراض من البنوك المركزية، قواعد التحكم في المؤشر العام للسوق
والمؤشر الخاص للسهم، إضافة إلى أسعار الفائدة و القروض الربوية.



(1/2) تطورات
الأزمة المالية:

من ذلك فقد بدأت
المراحل الكبرى في الأزمة المالية منذ بداية العام 2007م وذلك في تسلسل
دراماتيكي للأحداث، حيث كان كالآتي:

- فبراير 2007م: عدم تسديد سلفيات الرهن
العقاري ( الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بقدرة كافية على التسديد)، فأصبح
العجز يتكثف في الولايات المتحدة، ويسبب أولى عمليات الإفلاس في مؤسسات
مصرفية متخصصة
.
- أغسطس 2007م: البورصات تتدهور أمام
مخاطر اتساع الأزمة، والمصارف المركزية تتدخل لدعم السيولة
.
- أكتوبر 2007م إلى ديسمبر 2007م: عدة مصارف كبرى تعلن
انخفاضاً كبيراً في أسعار أسهمها بسبب أزمة الرهن العقاري.

- يناير 2008م: الاحتياطي الاتحادي
الأمريكي البنك المركزي يخفض معدل فائدته الرئيسية ثلاثة أرباع النقطة إلى
3.50%، وهو إجراء ذو حجم استثنائي. ثم جرى التخفيض تدريجيا إلى 2% بين شهري
كانون الثاني ونهاية نيسان.

- فبراير2008م: الحكومة البريطانية تؤمم
بنك "نورذرن روك
"
- مارس 2008م: تضافر جهود المصارف
المركزية مجددا لمعالجة التسليفات
.
- مارس 2008م: "جي بي مورغان تشيز" يعلن
شراء بنك الأعمال الأمريكي "بير ستيرنز" بسعر متدن، ومع المساعدة المالية
للاحتياطي الاتحادي.

- سبتمبر2008م: وزارة الخزانة الأمريكية
تضع المجموعتين العملاقتين في مجال تسليفات الرهن العقاري "فريدي ماك"
و"فاني ماي" تحت الوصاية طيلة الفترة التي تحتاجانها لإعادة هيكلة
ماليتهما، مع كفالة ديونهما حتى حدود 200 مليار دولار.

- سبتمبر2008م: اعتراف بنك الأعمال
"ليمان برازرز" بإفلاسه بينما يعلن أحد أبرز المصارف الأمريكية وهو "بنك
أوف أميركا" شراء بنك آخر للأعمال في بورصة وول ستريت هو بنك "ميريل لينش

". عشرة مصارف دولية تتفق على
إنشاء صندوق للسيولة برأسمال 70 مليار دولار لمواجهة أكثر حاجاتها إلحاحاً،
في حين توافق المصارف المركزية على فتح مجالات التسليف. إلا أن ذلك لم
يمنع تراجع البورصات العالمية
.
- سبتمبر2008م: الاحتياطي الاتحادي
والحكومة الأمريكية تؤممان بفعل الأمر الواقع أكبر مجموعة تأمين في العالم
"أي آي جي" المهددة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل
امتلاك 9.79% من رأسمالها.

- سبتمبر 2008م: البورصات العالمية تواصل
تدهورها والتسليف يضعف في النظام المالي. وتكثف المصارف المركزية العمليات
الرامية إلى تقديم السيولة للمؤسسات المالية.

- سبتمبر2008م: البنك البريطاني "لويد تي
أس بي" يشتري منافسه "أتش بي أو أس" المهدد بالإفلاس
. السلطات الأمريكية تعلن أنها تعد خطة بقيمة 700
مليار دولار لتخليص المصارف من أصولها غير القابلة للبيع.

- سبتمبر2008م: الرئيس الأمريكي جورج بوش
يوجه نداء إلى "التحرك فوراً" بشأن خطة إنقاذ المصارف لتفادي تفاقم الأزمة
في الولايات المتحدة
.
- سبتمبر 2008م: الأزمة المالية تطغى على
المناقشات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والأسواق المالية
تضاعف قلقها أمام المماطلة حيال الخطة الأمريكية للإنقاذ المالي

.
- سبتمبر2008م: انهيار سعر سهم المجموعة
المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية "فورتيس" في البورصة بسبب شكوك بشأن
قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. وفي الولايات المتحدة يشتري بنك "جي بي
مورغان" منافسه "واشنطن ميوتشوال" بمساعدة السلطات الفدرالية

.
- سبتمبر2008م: خطة الإنقاذ الأمريكية
موضع اتفاق في الكونغرس الأمريكي، وفي أوروبا يجري تعويم "فورتيس" من قبل
سلطات بلجيكا وهولنداولوكسمبورغ. وفي بريطانيا جرى تأميم بنك "برادفورد
وبينغلي
"
.

- سبتمبر2008م: مجلس النواب الأمريكي
يرفض خطة الإنقاذ. وبورصة وول ستريت ينهار بعد ساعات قليلة من تراجع
البورصات الأوروبية بشدة، في حين واصلت معدلات الفوائد بين المصارف
ارتفاعها مانعةً المصارف من إعادة تمويل ذاتها
. أعلن بنك "سيتي غروب" الأميركي أنه يشتري
منافسه بنك "واكوفيا" بمساعدة السلطات الفدرالية
.
- نوفمبر2008م: مجلس الشيوخ الأميركي يقر
خطة الإنقاذ المالي المعدلة
. المراحل الكبرى في الأزمة المالية منذ اندلاعها.

(1/3) خطورة
الأزمة المالية الأميركية على الاقتصاد العالمي:

الأزمة المالية التي شهدها الاقتصاد
العالمي ولا زال يعاني منها تعتبر من أسوأ الأزمات التي مر بها الاقتصاد
العالمي منذ عقد الثلاثينات
، بل وتعتبر الأخطر في تاريخ الأزمات المالية، خاصة
بعدما ثبت عجز النظام الاقتصادي العالمي الحالي عن احتوائها والتخفيف من
آثارها بشكل سريع وفعال.


وتأتي خطورة هذه الأزمة من كونها أصابت
قطاع الإقراض في عصبه وهو القطاع الذي يحفز الاستثمارات ويخلق الوظائف،
ويؤدي ضعفه إلى ضعف الاقتصاد بشكل عام
، كما أن انطلاقتها كانت
من الولايات المتحدة التي يشكل اقتصاد قاطرة النمو في الاقتصاد العالمي،
فاقتصادها هو الأكبر في العالم بحجم يبلغ حوالي ١٤ تريليون دولار، وتشكل
التجارة الخارجية لها أكثر من ١٠% من إجمالي التجارة العالمية، كما أن
تعاملات التجارة الدولية تتم مقومة بعملتها (الدولار) و تحتل السوق المالية
الأمريكية موقع القيادة للأسواق المالية العالمية
، لذا
فإن أية مخاطر تتعرض لها هذه السوق تنتشر آثارها إلى باقي الأسواق المالية
الأخرى بسرعة كبيرة.


وبعد أن صارت الأزمة
المالية حقيقة وهاجساً عالميًّا من دون توقع أو ترقب، لم يكن الحل
بيد أحد، وصار الكل يتخبط ويجتهد يمنة ويسرة، ولكن كل يوم يمر يكون
زيادة في السوء، و يجعل المعالجة صعبة، وبدأت الدول تحمل الولايات
المتحدة وزر الأزمة، وتطالبها أن تتحمل حلها دون غيرها.


ومن بعد ذلك وليس فقط
نتيجة للضغوط الخارجية (الدولية) التي تعرضت لها الولايات المتحدة فحسب،
ولكن للأثر السيئ للأزمة على الاقتصاد الأمريكي ذاته، وحتى على الوضع
السياسي للولايات المتحدة الأمريكية كقطب وحيد في الساحة السياسية – يستمد
قوته فعلاً من قوته الاقتصادية- فقد بدأ التفكير في وضع حلول للأزمة داخل
الولايات المتحدة الأمريكية من أيامها الأولى، وارتفعت أصوات تنادي
بوضع بدائل تقلل أو تمنع الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد
العالمي، و أنه ليس من العدل أن تدفع دول في أميركا الجنوبية وأفريقيا
وآسيا ثمن مسؤوليات وأخطاء يجب أن يتحملها القطاع المالي في أميركا
الشمالية
. وقد كللت هذه الأسباب
جميعاً بوضع خطة إنقاذ مالي صادفت ما صادفت من قبول واعتراضات داخلياً
وخارجياً.


(1/3/1) خطة
الإنقاذ المالي الأمريكية
:
و كما أن الأزمة
مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان الكثيرون يتطلعون لروية الحل
منها أيضاً. ونتيجة للدراسات العاجلة فقد وضعت خطة صاغها وزير
الخزانة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي (بوش) هنري بولسون لإنقاذ النظام
المالي الأمريكي من تأثيرات أزمة الرهن العقاري على قطاع البنوك والأسواق
المالية الأمريكية. ودراسة خطة الإنقاذ الأمريكية تساعد في
الاستفادة من الحلول التي وضعها خبراء الأزمة، وأكثرهم اكتواءًً بنارها.


و تقوم الخطة على
شراء الديون الهالكة التي قضت مضاجع السوق المالية الأمريكية وهددت
بانهيارها، وهذه الديون تعود في معظمها إلى السياسة الخاطئة للرهونات
العقارية التي اعتمدها المضاربون الماليون في بورصة وول ستريت. وتهدف الخطة
إلى :

- تأمين حماية أفضل للمدخرات والأملاك العقارية.
- كما تهدف إلى تشجيع النمو الاقتصادي وزيادة
عائدات الاستثمارات إلى أقصى حد ممكن.

- مساعدة المقترضين الذين يواجهون صعوبات في تسديد
أقساطهم عن طريق رفع سقف القروض العقارية التي بإمكانهم تقاضيها مقابل
ضمانة عامة
.

(1/3/2) بنود
خطة الإنقاذ المالي الأمريكية
:
1- السماح للحكومة الأمريكية بشراء أصول هالكة
بقيمة سبعمائة مليار دولار، وتكون مرتبطة برهن عقاري.

2- يتم تطبيق الخطة على مراحل
بإعطاء الخزينة الأمريكية إمكانية شراء أصول هالكة بقيمة تصل إلى 250 مليار
دولار في مرحلة أولى، مع احتمال رفع هذا المبلغ إلى 350 مليار دولار بطلب
من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؛ ويملك أعضاء الكونغرس الأمريكي حق
النقض ( الفيتو) على عمليات الشراء، والتي تتعدى هذا المبلغ مع
تحديد سقفه بسبعمائة ملياردولار.

3- تساهم الدولة الأمريكية في
رؤوس أموال وأرباح الشركات المستفيدة من هذه الخطة، مما يسمح بتحقيق
أرباح إذا تحسنت ظروف الأسواق
.
4- يكلّف وزير الخزانة بالتنسيق مع السلطات
والمصارف المركزية لدول أخرى، لوضع خطط مماثلة.

5- رفع سقف الضمانات للمودعين من مائة ألف دولار
إلى 250 ألف دولار لمدة عام واحد
.
6- منح إعفاءات ضريبية تبلغ قيمتها نحو مائة مليار
دولار للطبقة الوسطى والشركات
.
7- تحديد التعويضات لرؤساء الشركات عند الاستغناء
عنهم
.
8- منع دفع تعويضات تشجع على
مجازفات لا فائدة منها، وتحديد المكافآت المالية لمسؤولي الشركات الذين
يستفيدون من التخفيضات الضريبية بخمسمائة ألف دولار
.
9- استعادة العلاوات التي تم تقديمها على أرباح
متوقعة لم تتحقق بعد
.
10- إشراف مجلس مراقبة على تطبيق الخطة،
ويضم هذا المجلس رئيس الاحتياطي الاتحادي وزير الخزانة ورئيس الهيئة
المنظمة للبورصة
.
11- حافظ مكتب المحاسبة العامة التابع للكونغرس على
حضور الاجتماعات الدورية في الخزانة، وذلك لمراقبة عمليات شراء
الأصول والتدقيق في الحسابات
.
12- تعيين مفتش عام مستقل
لمراقبة قرارات وزير الخزانة
.
13- درس القضاء القرارات التي
يتخذها وزير الخزانة.


ومن هنا : كان
الرهن العقاري وطريقة ممارسته والقوانين المنظمة له من أسباب الأزمة.



و الخطة تعتبر علاجاً
جراحياً يقدّم حلاً شاملاً من خلال إنقاذ الوضع المالي وضمان عدم انتقال
المشكلات التمويلية إلى الشركات لتقتصر كما هي الآن على القطاع المالي فقط،
كما أنها
تضمن استمرارية الثقة في البنوك الأميركية.وتقدم الخطة علاجاً للمشكلات من حيث معاقبة من
كانوا مسؤولين، ثم إيجاد الحلول لسد الثغرات المتعلقة بارتفاع أسعار
العقارات بعدما جرت البنوك وراء سراب الأسعار المرتفعة، و تؤكد ضرورة تحديد
دور أسواق المال والمضاربات بالنسبة لبيع الأوراق الآجلة، وقد ساعدت الخطة
شركات القطاع المصرفي لأن نظام التأمين على الودائع في أميركا يغطي ودائع
الأفراد فقط، ولا يوجد تعويضات للشركات
.

وقد انتقد الكثيرون
الخطة
خشية
من الثمن الذي سيتحمله دافعو الضرائب الأمريكيون، حيث لا توجد ضمانات
كافية لإنجاح الخطة، ويعتبرها البعض تبديداً للأموال العامة

تستفيد منه البنوك
على المدى القصير في التخلص من أعباء الديون المعدومة والاستثمارات العاطلة،
لكن مع وجود شكوك في إمكانية أن تعود أسعار هذه الأصول إلى الارتفاع في
المستقبل مطالبين بالحصول على تأكيدات وضمانات بأن الخطة ستفيد أصحاب
المنازل الأميركيين العاديين، كما أنها ستفيد بورصة وول ستريت
.
 
 
العنصر الثاني: الأزمة المالية وتأثيراتها على
الأنظمة والقوانين وكفاءتها



(2/0) الأزمة
المالية وتأثيراتها على الأنظمة والقوانين
:

تعرف الأنظمة والقوانين الوضعية أنها ذات
طبيعة تابعة تتأثر بمحدثات البيئة التي تنشأ فيها، ومن ذلك فهي تنشأ
صغيرة ضعيفة وتتطور و تقوى مع مرور الزمن، بخلاف التشريع الإسلامي
والذي مصدره إلاهي، وطبيعة منهجه بيان الطريق قبل علاج المرض،
ولذلك كانت الشريعة مكتملة شاملة جامعة مانعة. و في هذا الزمان
والمكان تداخلت وتقاطعت الأنظمة الوضعية مع المبادئ الشرعية، و حيث
إن الأزمة نشأت في بيئة تحكمها قوانين وضعية فبالتالي تقتصر تأثيرات الأزمة
المالية على قواعد الأنظمة القائمة في هذه البيئة و التي وضعت لسد حاجتها
وتنظيم شئونها الآنية. وجاءت المعالجة متأخرة تبعاً لما أشرفت عنه
الأزمة والتي كانت مستقبلاً مغيباً في وقت وضع تلك الأنظمة و هي نتاج
التطور الأليم على الاقتصاد.


(2/1) تدخل الدولة في ظل الأزمة
المالية:

نشأت الأزمة في ظل أنظمة وقوانين السوق
الحر التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما جاءت الأزمة المالية
الأخيرة وما نتج عنها من آثار سلبية على الاقتصاد العالمي
حتى أعلنت بعض الدول إفلاسها, وقد كانت خطة
الإنقاذ بمثابة الضربة القاصمة لتلك الأنظمة القائمة على قواعد العرض
والطلب.
و قد كثر الحديث في الأوقات الأولى
للأزمة عن المعالجات والبدائل، فكانت مقارنة و دراسة الأنظمة
الاقتصادية الأخرى و قياس ثباتها وقدرتها على معالجة أو تفادي الكارثة
الاقتصادية هي الهدف. وكانت التجربة الإسلامية محل بحث وملاحظة، كما
كانت التجربة الاشتراكية كذلك؛
لأن اقتصاد هذه الدول
لم يكن مرتبطا بالاقتصاد الأمريكي، ويخالفه في الأنظمة التي تحكمه، خاصة
بتدخل الدولة في العملية الاقتصادية،
حيث وجدت
عددا من البلدان مثل جمهورية الصين الشعبية وإيران وروسيا لم تتأثر
اقتصادياتها بالأزمة أو تأثرت بدرجة أقل، حتى إن مؤشر بكين زاد
ارتفاعاً
. إلا أن ضعف الدول
والمؤسسات التي تطبق النظام الإسلامي رجح كفة التجربة الأخرى (الاشتراكية)،
كما أن النظام الإسلامي نظرية أكثر منه تجربة ممارسة ناجحة.

ونتيجة لهذه المقارنة فالمعالجات و
السياسات التي اتبعتها دول العالم المتأثر بالأزمة وتداعياتها هي في مجملها
سياسة تدخلية من جانب الدولة، فقد دفعت الأزمة الحكومة الأمريكية للتدخل
الشديد في الاقتصاد لدرجة تخصيص ميزانية 700 مليار دولار لإنقاذ القطاع
المصرفي في الولايات المتحدة تستحوذ بموجبها الدولة على المشروعات المنهارة
وتساعد المشروعات المتعثرة. وتتناقض المعالجة بشكل واضح مع أنظمة و سياسات
العولمة وآليات السوق ومن أهم هذه السياسات:

1- ضخ رؤوس الأموال
إلى المؤسسات المالية وغير المالية المعسرة كالبنوك وشركات التأمين ومصانع
السيارات.

2- تخفيض أسعار
الفائدة على القروض, والفائدة تحدد بقانون.

3- تأميم عدد من
البنوك والمؤسسات المالية لمنع تعرضها للانهيار، والتأميم يكون
بإصدار قانون.

4- تدخل الحكومات من
خلال صناديق الاستثمار العامة لشراء الأسهم لإنقاذ أسواق المال من
الانهيار.

5- إجبار الحكومات بعض
المصارف التي لم تتأثر بالأزمة على الاستحواذ على المصارف التي على وشك
الانهيار. حيث إن
البنوك التي
تعتمد على العمليات المصرفية استطاع بعضها تحقيق أرباح خلاف تلك البنوك
التي تعتمد على الإقراض وهي التي تعاني من الأزمة.

6- الدعوة إلى إنشاء
صناديق سيادية لشراء حصص في الشركات المعرضة للانهيار من أجل حمايتها،
ولمنع أن تتحول بعض أصولها للأجانب.

7- التأمين على
الودائع.

ومما سبق يتضح أن السياسات التي اتبعتها
دول العالم لمواجهة الأزمة و الأنظمة التي وضعتها لمعالجة تداعياتها نتج
عنها إعادة دور الدولة. و في ذلك تحتاج دولة القانون إصدار أنظمة
وتشريعات جديدة حتى تتمكن من التدخل في العملية الاقتصادية و لعب دور
المنظم, وقد ترتب على ذلك تغيير في الأنظمة المالية والاقتصادية
المتبعة في اقتصاديات السوق الحر، و أصبحت الدولة تشارك في النشاط المصرفي
بقوة كمالكة أو مديرة للنشاط المصرفي في كثير من دول العالم في نظام يزاوج
بين السوق الحر واقتصاد الدولة عسى ولعل أن يؤدي هذا التدخل من جانب الدولة
إلى إعادة الثقة في القطاع المالي.
) الآثار
القانونية للأزمة المالية العالمية:

تلعب الأزمات دور
الاختبار الحقيقي لكفاءة الأنظمة بشكل عام ولا يخلو ذلك من ثلاثة حالات :

الحالة الأولى:
أن تغطي الأنظمة
السارية وقت قيام الأزمة كافة التأثيرات التي تنتج عن الأزمات، بحيث
يوجد الحل الشامل لهذه المستجدات الطارئة، وفي هذه الحالة لن يكون
هناك أي تأثيرات سلبية للأزمة على الدولة أو الدول المعنية، وتكون
هذه الدول قد احتاطت بما يكفي لدرء آثار المستجدات النظامية في المستقبل،
وتمثل كفاءة الأنظمة هنا درجة عالية من الجاهزية والصياغة المثالية بوضع
القواعد والأسس التي تحكم ما يطرأ من أوضاع أو أشكال مختلفة للعلاقات
النظامية، أي أنه في هذه الحالة لا تؤثر هذه الأزمة على كفاءة
الأنظمة بل تعتبر الأنظمة المصد الفعال لهذه الأزمة.

الحالة الثانية:
أن تغطي الأنظمة
السارية وقت قيام الأزمة جزءاً من التأثيرات التي تنتج عن الأزمات بحيث لا
يقل عن الخمسين بالمائة من الآثار التي تنتج، وفي هذه الحالة تكون
التأثيرات السلبية والإيجابية للأزمة على الدولة أو الدول المعنية متفاوتة
في حالتها ومقدارها نتيجة لعدم الاحتياط بأنظمة فعالة ذات كفاءة عالية
لتغطي مثل هذه التأثيرات والمستجدات المستقبلية، وفي هذه الحالة
يكون تأثير الأزمة على كفاءة الأنظمة تأثيراً إيجابياً حيث يمكن ذلك من سد
نقص الأنظمة الذي ظهر فيها مما أدى إلى النتائج السلبية.


الحالة الثالثة:
ألا تغطي الأنظمة
السارية وقت قيام الأزمة إلا الجزء اليسير من التأثيرات التي تنتج عن
الأزمات، وفي هذه الحالة يكون التأثير أيضاً إيجابياً بالرغم من
الخسائر التي تتكبدها الدولة أو الدول المعنية جراء الأزمة، إلا أنها توضح
مظاهر الضعف ومقدار النقص في الأنظمة، فتقوم الحاجة الملحة إلى مراجعة
الأنظمة لتدعيمها من وحي التجربة التي مرت بها بتأثير الأزمة عليها.



و لقد ظهرت العديد من الآثار القانونية
لهذه الأزمة المالية ساعدت في تفاقم آثارها العالمية التي شملت معظم دول
العالم سواء المتقدمة أوالنامية, ولقد تجلت هذه الجوانب على سبيل
المثال فيما يلي:


1- أنظمة هيئة سوق
المال: تعتبر أسواق المال العالمية من أكثر الجهات تأثراً بالأزمة المالية
العالمية، حيث إن جميع مجالات التجارة والصناعة تصب في أسواق المال من خلال
الشركات التي تعمل في مجالات المال والأعمال والأنشطة المتعددة، والتي
توجد في القوائم المدرجة في أسواق المال المختلفة، حيث طالعنا الانخفاضات
الحادة، بل الدمار الذي وقع في الكثير بل في أغلب أسواق المال والمؤشرات
العالمية لدرجة يمكن وصفها بالكارثة على الاقتصاد العالمي جعلت العديد من
الشركات تتهاوى الواحدة تلو الأخرى وتعلن إفلاسها إما واقعاً من جراء ما
حدث أو هروباً من الدائنين لتتستر الشركات خلف أنظمة الإفلاس وتتهرب من
واجباتها تجاه الدائنين في أداء حقوقهم التي تتمثل في ديونهم التي بذمة هذه
الشركات
.
2- حدوث خلل كبير في
مجال تنفيذ عقود المعاملات المالية والتجارية التي فقدت مقوماتها القانونية
الملزمة لأطرافها سواء كانت دولا أو مؤسسات أو شركات أو مصارف أو بنوكا
كانت تبرمها في مجالات كثيرة, نذكر منها (عقود البيع الدولية,
عقود إنشاء مشروعات البنية الأساسية بنظام
b.o.t
وغيرها, فلقد اعتبرت الأزمة الاقتصادية
والمالية بمثابة حالة من حالات القوة القاهرة التي تؤدي إلى توقف تنفيذ هذه
العقود والمشروعات والأنشطة التجارية والمالية التي أبرمت من أجلها هذه
العقود، وفوجئ أطرافها بعجزهم عن تنفيذ التزاماتهم القانونية بموجب هذه
العقود).

ويرجع ذلك إلى أن هذه الأزمة المالية
خارجة عن إرادتهم, ولا يستطيع أي محلل اقتصادي أو مالي التنبؤ
بتاريخ انتهاء هذه الأزمة, وبالتالي فهي حالة من حالات القوة
القاهرة حتى يتمكن أطراف العقود الدولية من استعادة قدراتهم على تنفيذ هذه
العقود وبكل شروطها وبنودها المالية والتجارية بما في ذلك شروط الإنتاج
والتبادل التجارية والتمويل لهذه الأنشطة المختلفة.

3- التعقيدات
القانونية لأزمة التمويل والاستثمار العقارية الناتجة عن تأثر عمليات
الإنشاء والتوسع في مجال مشروعات البناء العقاري وتمويلها, فتوقفت تلك
المشروعات وظهر عجز المستثمرين الذين توقفت مصارفهم وبنوكهم فجأة عن منح
القروض العقارية وأشهر البعض منها إفلاسها كما توقف المقترضون عن سداد
الأقساط المستحقة عليهم وعجز أطراف عقود التمويل العقاري عن الوفاء
بالتزاماتهم.

4- الآثار القانونية
لانخفاض قيمة الدولار في التعاملات التجارية وزيادة التضخم وتأثير ذلك على
الموازنات الحكومية وعلى المبادلات التجارية وبخاصة في الدول التي تربط
عملتها بالدولار.

5- الضمانات
القانونية وشروط الاستحقاق لعقود المنح الدولية و التي بموجبها تمنح الدول
الكبرى والصناديق المالية العالمية منحا دون فوائد للدول النامية لمساعدة
اقتصادها على التنمية تراجعت بدرجة كبيرة نظرا لما تعانيه الدول والصناديق
المانحة من عجز في اقتصادها تأثرا بالأزمة العالمية, وقصر هذه المنح
على تمويل مشروعات البنية الأساسية للدول النامية دون غيرها مع تقييد هذه
المنح بضمانات قانونية وبشروط استحقاق صعبة, كما هو الحادث الآن
بالنسبة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير وهيئة التنمية الدولية و المعونة
الأمريكية للتنمية والمعونات التي يقدمها بنك التنمية الأوربي والتي يقدمها
البنك الإفريقي للتنمية والصناديق العربية, وصندوق دول الأوبك
والتي بدأت بالفعل بمراجعة سياسة تقديم المنح الدولية وإعادة صياغة عقود
هذه المنح بوضع شروط قانونية وضمانات قانونية لم تكن موجودة قبل ظهور
الأزمة.

6-
التبعات القانونية لانهيار البورصات
العالمية وتوقف أو انخفاض الاستثمار في أسواق المال والانخفاض الحاد في
أسهم الشركات العالمية مع إعلان إفلاس عدد كبير منها وما نتج عنه من خسائر
فادحة تحملها المستثمرون في البورصات العالمية أدى إلى انسحاب عدد كبير من
المتعاملين مع هذه البورصات الذين فقدوا رؤوس أموالهم وإسهاماتهم الكبيرة
في معاملاتهم في البورصات المالية منذ نشوب الأزمة خاصة وأن أسواق المال هي
المصدر الأكبر للتمويل.

7-
نظام الإغراق: أفرز هذا المجال العديد
من السلبيات، فقد دفعت الأزمة المالية العالمية بعض الشركات الهندية
والصينية إلى محاولة تدعيم موقفها تجارياً وتفادي بعض الخسائر جراء الأزمة
إلى الخوض في دعاوى ضد بعض الشركات العالمية منها بعض الشركات السعودية
التي تعمل في مجال البتروكيماويات كشركة سابك وشركة المتقدمة مما أدى إلى
رفع دعاوى ضد هذه الشركات وفرض رسوم حمائية لمدة ستة أشهر كقرار أولي من
قبل حكومات الشركات المدعية، وذلك لحين التحقق مما ادعت به هذه الشركات من
أن الشركات السعودية المدعى عليها تغرق سوقي الهند والصين المحليين
بمنتجاتها وتبيع بأسعار تقل عن التكلفة الفعلية للمنتجات ذات العلاقة
ومواصلة النظر في هذه الدعاوى، وقد جاء هذا الإفراز من الأزمة
المالية العالمية حيث إن قبل تأثيرها لم تقم هذه الشركات بأي سلوك مشابه،
الأمر الذي يتطلب معه مراجعة نظام الإغراق سواء من قبل منظمة التجارة
العالمية وكافة مبادئه وموجهاته أو من قبل الأنظمة المحلية التي تُستقى من
القواعد الأساسية والمبادئ العامة التي تضعها منظمة التجارة العالمية بشأن
الإغراق
.


العنصر الثالث: التعديلات المطلوبة لتحسين
البيئة الاستثمارية

والمقترحات والتوصيات


من كل السرد السابق يتضح بما لا يدع مجالاً
للشك أن أمر الأزمة الاقتصادية جلل، بل يقول الخبراء إن ما ظهر منها هو رأس
جبل الجليد وما خفي منها كان أعظم، فحقيقة الأمر أنهم إن صدقوا في
ذلك أم أخطأوا فإن الأزمة المالية الآن لم تدع مجالاً إلا طالته، ولا جيباً
إلا أصابته بصورة مباشرة أم غير مباشرة حتى الراعي في غنمه، لظروف
الترابط الشديد وتأثر المجتمعات بعضها ببعض.


ومن دراسة أسباب و مسببات الأزمة المالية،
ورغم أننا من القلائل الذين تأثروا بها بصورة مباشرة وبدرجة تكاد تصنف في
خانة الضعف، إلا أننا نضع الملاحظات التالية من عموميات الوضع :

- أن أسبابها
لم تكن داخلية، بل كانت في مجملها خارجية، ومن هنا فلا تكفي
المعالجات الخارجية فقط لدرء آثار الأزمة، ولكن يكون من المتعين
مراجعة الارتباط بالخارج من حيث نوعه وجنسه ودرجته، ووزن ذلك بمعيار
دقيق حتى لا نكون ضحية لسوءات غيرنا.

- أن الكثيرين
يجهلون ماهية الأزمة، وأسبابها، ومسبباتها، لذلك كان
من الضروري تبصرة العامة بهذا، و رفع مستوى الثقافة الاقتصادية
والوعي بخطورة الأزمة ومحاربة أسبابها الاجتماعية كالجشع والسعي وراء الربح
السريع بمعدلات خطورة عالية في المضاربات وزيادة أسعار السلع والعقار
والخدمات دون مبررات اقتصادية صحيحة.

- عدم تعريض
ودائع صغار المستثمرين للخطر من دون ضمانات حقيقية وتقليل الاقتراض بغرض
الاستهلاك والتوجه نحو الاستثمارات الحقيقية التي تضيف للناتج القومي
وبإنتاج فعلي.

- ضعف وقلة
البدائل للمعاملات المالية في النظام التقليدي، وبخاصة تلك منها
التي تستند على أسانيد شرعية، وإن وجدت فهي محاكاة لتلك التقليدية
بأسماء مأصلة.

- ضعف البحث
والدراسة لإيجاد بدائل شرعية حقيقية تلبي حاجة الناس إلى المعاملات
المصرفية الحديثة، وتواكب تطور المجتمع وارتباطه بالآخرين – رغم أن الضعف
لا يقتصر على هذا المجال فقط، ولكن الأمر يذكر في موضعه –.


- عدم توفير
الحماية اللازمة للطرف الضعيف (صغار المودعين أو المستثمرين) من تغول
الكبار والأقوياء ومن نهم الإدارات نحو تحقيق نجاحات على أرضيات غير صلبة.


- حاجة
المعاملات لمراجعة الثقرات النظامية، ومعالجة عدم فعالية بعضها بصورة
تفاعلية دورية تمنع أو تقلل من المخاطر المصاحبة لها ولتأثيراتها على
الاقتصاد الكلي.

ومن جانبنا نرى أن أي مقترحات أو توصيات
لابد أن تكون قائمة على سد النقص والثقرات و وضع البدائل والخيارات
الاقتصادية، وبخاصة تلك المبنية على أساليب نظامية أو يحكم النظام
ممارستها. وفي ذلك لابد أن نستند على مصدر قوتنا (الإسلام) لنكون من
الفائزين في الدارين.


وللتداخل الكبير بين المحلي والدولي في
عالم اليوم فستكون المقترحات شاملة الجانب الدولي من حيث الاتفاقيات
والمعاهدات بما لا غنى عنه من التأثير في الجوانب المحلية التي تحكمها
الأنظمة الوطنية :


مقترحات لتحسين البيئة الاستثمارية
والقانونية والتشريعية:

أ‌-
في الجانب
الدولي:

1- نقترح إنشاء
صندوق (النقد العربي الإسلامي) أو تقوية ما هو قائم منها بمراجعة اتفاقيات
إنشائه وأهدافه، وذلك لدعم الدول العربية والإسلامية الفقيرة
والنامية، ويحقق التعاون والوحدة بين أعضائه الأغنياء والفقراء بما يجعل من
وحدتهم قوة خاصة، وأن الإحصاءات تقول إن تعداد المسلمين اليوم ما بين ربع
وخمس العالم.

2- إنشاء تكتل أو
اتحاد للبنوك في العالمين العربي والإسلامي لمواجهة الأزمة ووضع بدائل
تناسبنا في معتقداتنا وقيمنا بتوافق مع
المنهج الإسلامي، تحريم الربا، تحريم بيع الغرر،
تحريم التعامل في الأمور غير الشرعية، تقاسم الربح والخسائر واتباع
قواعد وضوابط الاستثمار والتمويل الإسلامي، و إتاحة الفرصة لظهور المصرفية
الإسلامية
.
3- السعي في وضع
برنامج دولي لإدارة الأزمة، حيث إن هناك الآن أرضاً خصبة لوضع نظام عالمي
متوازن حيث إن الجميع عرض وحلل واقترح واستنتج و لم يبق إلا إقرار نظام
عالمي جديد يؤمن الحماية الاجتماعية للدول والشعوب ويحقق التوازن المنشود.


4- التنسيق بين
الدول الإسلامية في البحث والتطبيق لإيجاد بديل إسلامي قوي وفعال للمعاملات
المالية وطرق الإقراض والضمانات لخلق بيئة مالية قوية تدعم اقتصاديات
الدول الإسلامية المتفرقة، وذلك بإنشاء مراكز البحوث ودعمها بالمال
والباحثين.

ب‌-
في الجانب
المحلي:

1- أن تتدخل الحكومة
من خلال البنك المركزي للرقابة على المؤسسات المالية المصرفية وغير
المصرفية والبورصة لمنع كل صور المضاربات مع إدارة ميدانية قوية تستصحب
معها عوامل الأزمة المالية وطريقة معالجتها بالرقابة و التفتيش.

2- تشجيع الاستثمار
الداخلي وإعطاء أولوية في تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

3- تأصيل قواعد
الشفافية و توفير المعلومات الإحصائية على المستوى الاقتصادي، والحد من
القوانين التي تحكم الاقتصاد وتظهر بشكل مفاجئ وبدون تمهيد، وهذا يجعل
الاقتصاد أكثر اهتزازاً والمزيد من الشفافية التي تخدم المواطن والتوسع في
الدراسات التحليلية مما ينعكس على اتخاذ القرار المناسب وتوسيع قاعدة اتخاذ
القرارات.

4- تمتين الأسس
القانونية التي تدعو إلى دعم المنافسة و محاربة الاحتكار.

5- محاربة جرائم
الفساد وخاصة المالي منها ووضع قوانين صارمة لحماية المدخرات وصيانتها و
ضمان الودائع.

6- تقوية وزيادة
فعالية وكفاءة النظام القضائي الرسمي والبديل لفض النزاعات في سهولة ويسر
وفي زمن وجيز.

7- مراجعة إجراءات
تنفيذ الأحكام، وتفعيل مبادئ التعويض عن الضرر ومعاقبة المطل.


8- حصر الأنظمة ذات
العلاقة بالمعاملات المالية والتجارية بصورة عامة كنظام الأوراق المالية
والنظم الائتمانية ونظام الاستثمار وأنظمة مؤسسة النقد والبنوك وأنظمة
السوق المالية.

9- وضع فرضيات بأسوأ
ما يمكن أن يجابه به الاقتصاد المحلي أو العالمي ذي التأثير العام، وصياغة
نصوص لتغطية تلك الفرضيات حتى لا تشكل عنصر المفاجأة في أي أزمات مستقبلية
عنصر سلبي يزيد من الآثار السلبية للأزمة.

10- عقد ورش
عمل بصورة دورية للبحث في الأنظمة المالية العالمية وتطوراتها والاستفادة
منها بأخذ ما يظهر من إيجابيات وتفادي السلبيات، وتدعيم الأنظمة بما
تخرج به هذه الورش من توصيات بعد دراستها بصورة دقيقة، والتأكد من إمكانية
الاستفادة منها.

11- دراسة
القصور الذي شاب الأنظمة الحالية عالمياً ومحلياً مما أدى إلى تفاقم آثار
الأزمة، والعمل بصورة جادة للاستفادة من هذه الدراسات لسد الثغرات
التي تظهر لتدعيم الأنظمة، ويمكن أن يكون ذلك بالدعوة إلى مؤتمرات
عالمية أو ورش عمل داخلية أو عالمية.

12- العمل
على تدعيم نظام الاستثمار بحيث يقدم المستثمر الضمانات الكافية لكافة
أعماله التجارية الاستثمارية حتى لا يكون لذلك تأثير سلبي على الاقتصاد
المحلي بقيامه بأي أعمال أو تأثره بأي أزمة خارجية يمتد أثرها داخلياً.


13- التشدد
في العقوبات المفروضة بواسطة الأنظمة لكل المخالفات النظامية، ومن أمثلة
ذلك نظام الاستثمار ونظام الأوراق المالية حتى لا يدفع النص النظامي الغير
للتلاعب واختيار العقوبة على الخسارة المالية الكبيرة، فقد يلجأ
التاجر أو المستثمر إلى الوقوع في المحظور النظامي عمداً عند تأثره بأي هزة
نتيجة أزمة داخلية أو خارجية قاصداً بذلك تفادي خسائر أكبر يمكن أن تقع
عليه جراء الأزمة فيختار أخف الخسائر، ويكون بذلك النص النظامي قد
دفع التاجر أو المستثمر لهذا الحل
.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق